Feeds:
المقالات
التعليقات

Posts Tagged ‘اقتباسات’

في المكتبة القريبة من مكان سكني وجدتُها صدفة و أنا أمسح عناوين الكتب، نفس المكتبة التي اكتشفتُ فيها المحيميد للمرة الأولى قبل سبع سنواتٍ ربما.

– قلتُ لمن معي: أنظري للعنوان.
– فأخذت تضحك: ناوية تشترينها؟
– أكيد. العنوان لوحده يشي بالتراث، إما أن يكون الكاتب ذكيً جداً أو شعبيً جداً أو كِلا الاثنان ليختار عنواناً كهذا، زيادة على أنّ لغة الصفحات الأولى جيدة و قابلة للقراءة. ما رأيكِ بأن أعقد معكِ هذا الاتفاق؟
– هاتي…
– سأقرأها و إن لم تعجبني سأكتب رسالة ساخطة للكاتب مطالبة إياه بردّ المبلغ. ما رأيك؟
– قدام، و لكن لو أعجبتكِ بعدما تنتهين أعيرينيها.
أنهيت الرواية خلال أيام و أبشركم، لن أطالب الكاتب بردّ الستين ريالاً التي أنفقت، بل سأبحث عن أخرياتٍ له لأقرأهنّ.

محمد المزيني في روايته “الطقاقة بخيتة” يوثّق الحقبة الزمنية المعاصرة لمدينة الرياض. لا أدري لمَ هذه المدينة بالذات لي معها علاقة حب و مقت في آنٍ معاً! أشتاقُ إن أبطيت و تكلّ نفسي لو مكثت أكثر مما يجب. ربما لسكني الآن فيها للدراسة و معاناتي مع السيارات و السائقين وجدتُ السلوى في حكاية الكاتب، سائق “الوانيت” الذي يبدأ روايته بمصارحة القارئ بأنه يعتزم كتابة رواية و يريد أخذه معه إليها ليقابل الشخوص و يقرر بعدها كيف ستكون الرواية.
وصف صنوف النسوة اللاتي ركبنَ معه و مكرهنّ مما ذكرني بأحد سائقي الأجرة الذي سمعته يصارح رفيقه: أنا أكره النساء، أنظر كيف يكشفنَ سيقانهنّ من وراءِ العباءة مظهرات هذا الجنيز الضيّق، يقطعن قلوبنا و يتصنّعنَ العفة، ثم ينفعل: إن كنتِ عفيفة لا تنشري عطركِ في المكان و تتوقعين مني الوقوف كالصنم! … لم أكمل ما الذي كان يقوله لأني ابتعدت عن مستوى السمع ممنية نفسي بأن تأتي سيارتي قريباً.

في الرياض لي مأساة شبه يومية مع وسائل المواصلات، خاصة و أنني لم أحظَ بسائقي الخاص بعد، فأعيش مغامراتٍ مستمرة في كل مرة أطلع من المنزل؛ أتحصن بالمعوذات، أتمتم بدعاء الخروج و ألبس قناع التجلّد قبل أن أخرج، في الرياض أكون الأنثى و الذكر لأن في مجتمعنا الذكوريّ يجب أن تكوني ذكراً كي تعيشي… لا يفترض بالحديث أن يكون عني هنا بقدر ما هو عن رواية المزيني، لذا سأؤجل حكاياتي مع السائقين لوقت ما أكون أكثر فراغاً و جرأة لسرد الحكاية. و سأكتفي باقتباس له يقول:

الرياض لم تعد مدينة مثلى للإقامة، و مع ذلك ينحدر إليها الغاوون من كل حدب و صوب.

الروايات تاريخ المجتمع توثيق لحكايا الشعوب، للحقب الزمنية التي يعيشونها و الأحداث التي تعاصرهم. هذا برأيي هو المغزى الرئيس من كتابة رواية، إن استطعت الوصول إلى هذا الهدف تستحق روايتك الحفظ لتقرأها الأجيال اللاحقة كي تعرف عن ماضيها، تستحق أن تترجم ليعرف الآخرون عن ثقافتك و المكان الذي جئت منه، تستحق النقد لكي تخرج لنا في المرة القادمة برواية أجمل تضاف إلى رصيدك. كي تكون كاتباً عليك أن تخرج من نفسك لتعيش الحكاية التي ترويها، و تنقل عناء الشخوص للقارئ الذي سيجد نفسه قد صار جزءاً من القصة.
الكاتب هنا يملك مقومات جيدة للكتابة، فهو ينقلني بسلاسة من مصارحته الأولى إلى شخوص روايته الأول “الكاتبة تهاني و زوجها و المجتمع النخبوي الذي يعيشون فيه” إلى “البدوي بداح” الذي شعرت و أنا أقرأ قصته و كأني انتقلتُ من رواية لقاصّ سعودي إلى إحدى روايات إبراهيم الكوني، بتغزله بالصحراء و وصفه لها و انفتاحه على جوهر الكون، كان من أكثر الأجزاء الممتعة في الرواية… بعدها يعود إلى أزقة الرياض ليحكي حكاية بخيتة، بائعة البسطة و الطقاقة في آن معاً، ثمّ ينتقل إلى قصة الرابع صلاح مدني هذا الذي يبحث عن هويته.
ما أعجبني في الرواية أنها تحكي حكاية أطياف مختلفة من المجتمع… طبقة النخبة المثقفين، ثم البدوي الباحث عن حبيبته، مجتمع طقّاقات منفوحة، و صلاح مدني الساعي وراء الجنسية. يختلفون في خلفيّاتهم الثقافية ليجتمعون في الطيف الأوسع، مجتمع الرياض نفسه. يتكلم الكاتب عن مجتمع مدينة الرياض بحديث العارف عن مدينته، الذي يريد نقل الصورة الأكبر لمرحلة عايشها إلى آخرين، قد يكونوا أبناءه أو أفراداً لا يعرفون تلك التفاصيل الصغيرة التي رافقت تحوّل الرياض من شكلها القديم إلى شكلها الآن و كيف ستتشكل في المستقبل.

لكل جهة ناسها و أهلها، فالسويدي و الشفا قطنها أهل الجهات الجنوبية و الغربية من النازحين من المدن و الهجر و القرى الواقعة جنوب الرياض و غربها، و كذلك شمال الرياض و شرقها فقد استأثر بها تقريباً أهل القصيم، أما النسيم فقد سكنها أبناء البادية لقربها من الصحراء المفتوحة على مراعيهم، لذلك نصبوا خيامهم في الأحواش، و كانوا مثار سخرية، حتى لحق بهم الجميع في أوقات تالية، و ما لم يقلدهم في البادية هو تصميم البيوت على نمط غربي إذ كانت البلدية ترغم الناس شططاً على وضع بلكونة تطل على الشارع و أن تكون الحمامات إفرنجية، فكان الناس يحتالون على ذلك بوضع العربي ملاصقاً للإفرنجي، فمتى تمّ استلام الدفعة الأخيرة من قرض البنك المقدر بثلاثمائة ألف ريال (و لا تزال) ناجزوها بالتغيير و التحريف وفق ما تعودوا عليه. …

هذا الكاتب استطاع أن يحصل على رضاي كقارئة و أنا سعيدة بذلك، استطاع أن ينقل لي جزء من قصة الرياض و أنا أقرأ تخيلت أمي تحكي، و زوجة خالي و هي تحكي، و جدي يحكي و والدي و عمتي أيضاً تحكي… كل الحكايا التي سمعتها تجتمع في قلم محمد المزيني كي ترسم لي لوحة تصف جزء من مرحلة من مراحل العاصمة.

و نحن نمر بمحاذاة كلية اليمامة قال لي:
– شفت هذه الكلية؟ شهدت يوماً ما أحد معاركهم.
– قلت باستغراب: من هم؟
– الصحويون.
– قصدك الإرهابيين؟
رد بشيء من التحفز الذهني و عينه مملوءة بالكلام المؤجل:
– لا شوف، لا يمكن أن تعرف الإرهابيين إلا بعدما تعرف الصحويين.
ذكّرني بحسني البرزان في مسرحية (غربة) عندما كان يردد عبارته المشهورة بتلقائيته (إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا… يجب أن نعرف ماذا في البرازيل) فكانت بادرة ممتازة لفتح ملفاته المخبأة.


Read Full Post »



الغد هو اليوم الوحيد الذي نستطيع أن نعيشه.
نحمّـله من الآمال أكثر مما يحتمل، يخذلنا.
نصب جام آمالنا على الغد الآخر.. و هكذا دواليك.
حلقة مفرغة، في عالم مكتظ!


الدهشة، شعور كلّـما داهمها تحس أنها تعيش لحظاتها فعلاً.
ليس كوقت مستقطع بل كوقت مستنزف،
يصلها بنفس تلك الأوقات من حيواتها ليشكل عمراً ثرياً جديداً لا إعادة فيه.


النور الذي يصلنا من نجمة ما، ليس إلاّ إشعار بأفولها و خبوّها.
إشارة مستقبليّة لموت مضى، تزفُّـه سكرات من وميض.


عندما يتجاوز الظلم حدود المعقول يتحـوّل إلى إهانة.
الظلم يمكن تبريره و تفسيره و مشاطرته، بينما الإهانة فإنها شعور فردي و خصوصي جداً. لا يستطيع تحديد عمقه و مداه سوى الشخص المتعرض له، و الذي يعيشه بدرجات متفاوتة تبعاً لحساسيته.


كانت تعتقد أننا نستطيع أن نعيش برهة بشكل أطول و أكثف من دهر.
و أن الاختلاف في عمق العلاقات و الأحداث التي نعيشها ليس سوى مسألة توقيت.
عندما نصادف شخصاً في الوقت المناسب، يصبح شخصاً مناسباً.
و ما تفسير كل الأحداث المزعجة التي عشناها في حياتنا إلا أنها حصلت في غير وقتها، أو نتيجة اضطراب توقيتي!


ما الذي يحمل الأنام على الرحيل؟ مجرد وعد.
.. وعد من غد لم يحدث أن نطق به.


لا نستطيع أن نبني دون أن نهدم، و لا نستطيع أن نغيّر دون أن نضحّي.
المهم أن نعرف حدود قدراتنا و أن نكيّـفها مع أحلامنا و مطامحنا.


كل سَفَر ينطوي على مخاطرة عدم الرجوع، مهما اتسعت شعاب الأمل، و غار احتمال الفناء.
لذا، فإن ما يحمله المرء في حقيبته هو بالضرورة الشيء الذي يود أن يرافقه لأي دار تسوقه إليها الأقدار، دنيا كانت أم آخرة.. شيء يشكل أمارة يتعرف بها على نفسه في عتمة الشواش.

_____

* إنعام بيّوض.


إنعام بيّوض مترجمة و كاتبة جزائرية و فنانة تشكيلية.
حازت روايتها الأولى و الوحيدة [ السمك لا يبالي ] على جائزة مالك حداد لأحسن عمل روائي جزائري مكتوب باللغة العربية للعام 2003 – 2004.
—–

تحكي أحداث الرواية عن نور …
_امرأة من أصول جزائرية تعيش طفولتها مع عائلتها في دمشق ثمّ تنتقل للجزائر_
أعزّ صديقاتها ريما ابنة ماري جارتهم المسيحيّة .. و نجم، الرجل الذي تحبّ.

الجميل في الرواية ذات المئتي صفحة أنّها من أربعة فصول، كلّ فصلٍ يلقي الضوءَ على شقّ، شخصية في الحِكاية.. حتى تنتهي في الفصلِ الرابعِ و الأخيرالمعنون بـ: الثالوث.

أسلوب الكاتبة واقعي، لطيف، و معمّق.. بومضات جميلة تستحق التوثيق.



Read Full Post »